top of page

اعتقال عوض عبد الفتاح: سياسة تكميم الأفواه في وجه الموقف الوطني

  • Writer: اديب الناطور
    اديب الناطور
  • Nov 5
  • 2 min read

ree

لم يكن اعتقال القيادي عوض عبد الفتاح، الأمين العام السابق لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، صباح اليوم الأربعاء، حدثا مفاجئًا بقدر ما كان حلقة جديدة في مسلسل الملاحقات السياسية التي تستهدف الصوت العربي الحر في الداخل الفلسطيني.


في ساعات الصباح الأولى، اقتحمت الشرطة الإسرائيلية منزل عبد الفتاح في قرية كوكب أبو الهيجاء شمال البلاد، واعتقلته بزعم “التحريض على الإرهاب”. عملية المداهمة لم تكن عابرة؛ فقد رافقها تفتيش عنيف، وتحطيم لمحتويات المنزل، ومصادرة كتب ومؤلفات وعلم فلسطين وأغراض شخصية، في مشهد يعيد إلى الأذهان لغة الترهيب القديمة التي اعتادتها المؤسسة الإسرائيلية تجاه المعارضين لسياساتها.


المحامي نمير إدلبي، الذي يتولى الدفاع عن عبد الفتاح، أوضح أنه توجه برسالة رسمية إلى الشرطة طالبًا توضيح الخلفية القانونية للاعتقال، مؤكّدًا أن ما جرى لا يقوم على أساس قانوني متين بل على دوافع سياسية واضحة. وأشار إلى أن موكله نُقل إلى مركز الشرطة في شفاعمرو للتحقيق، دون أن تُقدَّم للعائلة أو للدفاع أي تفاصيل دقيقة حول التهم.


أما في أوساط التجمع الوطني الديمقراطي، فقد أثار الاعتقال موجة من الغضب والاستنكار. وقال نائب الأمين العام للحزب، يوسف طاطور، إن ما حدث هو “اعتقال سياسي بامتياز”، يندرج ضمن سياسة تجريم الموقف الوطني الفلسطيني وشيطنته، مضيفًا أن الحزب سيتابع القضية حتى النهاية بالتعاون مع مركز عدالة الحقوقي.


وليس من الصعب ربط هذا الاعتقال بما يجري في المشهد السياسي الأوسع. فمنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، وما رافقها من عدوان على الضفة الغربية والقدس المحتلة، صعّدت السلطات الإسرائيلية من ملاحقتها للنشطاء والقيادات العربية، تحت ذرائع “التحريض” أو “التضامن مع الإرهاب”. وهي عناوين فضفاضة تُستخدم لتكميم الأفواه وتخويف كل من يرفع صوته رفضًا للعدوان أو دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية.


القضية لا تتعلق بعوض عبد الفتاح كشخص، بل بما يمثله من رمزية سياسية وفكرية في الداخل الفلسطيني. فهو من الأصوات التي طالما دعت إلى خطاب وطني عقلاني، يرفض العنف لكنه في الوقت ذاته يواجه سياسات الإقصاء والتمييز والاستيطان. لذلك، فإن استهدافه اليوم يعكس ضيق المؤسسة الإسرائيلية بأي موقف وطني مستقل، حتى لو كان سلمياً وقانونياً.


إن ما جرى في كوكب أبو الهيجاء ليس سوى رسالة تهديد موجهة لكل ناشط ومثقف وصحافي يجرؤ على التعبير عن موقف أخلاقي وإنساني تجاه ما يحدث في غزة. ولكنّ التجارب السابقة — من حنين زعبي إلى رجا إغبارية وسعيد حسنين — تؤكد أن هذه السياسات لن تنجح في إسكات الوعي الجمعي ولا في كسر روح المقاومة المدنية لدى الفلسطينيين في الداخل.


في النهاية، اعتقال عوض عبد الفتاح لا يقرأ فقط كإجراء أمني، بل كجزء من نهج سياسي متصاعد يسعى لتجريم الكلمة وتضييق مساحة العمل السياسي الحر. ورغم محاولات الترهيب، تبقى الرسالة الأوضح من هذه الحوادث أن الانتماء الوطني ليس تهمة، وأن الدفاع عن الحرية والعدالة سيظلّ أقوى من كل جدران التحقيق والاعتقال.

Comments


من 48 - عشان 48

  • X
  • Facebook
  • Instagram
bottom of page