ما هو قانون كامينتس؟
- اديب الناطور

- 12 minutes ago
- 4 min read

قانون كامينتس وأزمة الإسكان في المجتمع العربي داخل إسرائيل
يشكل "قانون كامينتس" الإسرائيلي، الذي سُنّ عام 2017 كتعديل رقم 116 لقانون التنظيم والبناء، قلب معضلة وجودية وسياسية تعصف بالمواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل. ليس القانون مجرد تشريع بيروقراطي، بل أداة فعّالة في سياسة ممنهجة للتضييق التخطيطي و"التهجير الصامت" داخل الأراضي المحتلة عام 1948. من هنا جاء الرهان السياسي لحزب القائمة العربية الموحدة (راعم) بزعامة منصور عباس على الانضمام إلى ائتلاف حكومي هش بقيادة نفتالي بينيت ويائير لابيد، بهدف تجميد القانون وإنقاذ المواطنين من سيف الهدم المسلط على منازلهم.
جذور أزمة البناء غير المرخّص
لفهم خطورة القانون، لا بد من العودة إلى جذور أزمة الإسكان في البلدات العربية، التي هي نتاج عقود من سياسات الإقصاء والتمييز الممنهج من قبل السلطات الإسرائيلية. منذ تأسيس الدولة، تم منع إعداد خطط بناء سكنية ملائمة للقرى والمدن العربية، وحرمانها من التوسع على الأراضي المحيطة بها، في حين تم مصادرة نحو خمسة ملايين دونم من الأراضي الفلسطينية وبناء 700 بلدة جديدة لليهود فقط. أما البلدات العربية، فلم تشهد إنشاء أي بلدات جديدة باستثناء مشاريع محدودة في النقب.
نتيجة لذلك، أصبح الحصول على ترخيص بناء مهمة شبه مستحيلة، خصوصاً في القرى البدوية غير المعترف بها في النقب وأحياء القدس الشرقية. ومع تزايد عدد السكان الفلسطينيين في الداخل إلى ما يقارب 1.9 مليون نسمة، يضطر العديد إلى البناء دون ترخيص، ليس من باب المخالفة، بل لضمان حقهم الأساسي في السكن، خصوصاً للشباب والأسر التي تُركت دون حلول إسكانية لسنوات طويلة. وفق تقديرات، هناك نحو 30 ألف مبنى مهدد بالهدم في البلدات العربية خارج النقب، و50 ألفاً إجمالاً مع القدس والنقب.
قانون كامينتس: أداة العقاب والتهجير
دخل التعديل 116 حيّز التنفيذ في تشرين الأول/أكتوبر 2017، وهو يعرف باسم قانون كامينتس، نسبة إلى إيريز كامينتس، نائب المدعي العام الذي قاد اللجنة الخاصة لتشديد التعامل مع البناء غير المرخّص. جوهر القانون يكمن في تحويل سلطة إصدار أوامر الهدم والغرامات من المحاكم إلى الأجهزة التنفيذية، مثل مفتشي البناء والوحدة القطرية.
أهم تداعيات القانون:
سرعة التنفيذ وإلغاء الرقابة القضائية: أصبح بإمكان السلطات التنفيذية إصدار أوامر هدم وغرامات باهظة دون الرجوع للمحاكم، مع الحد من قدرة الفلسطينيين على تأجيل التنفيذ أو تقديم اعتراضات. هذا يضع المواطنين في مواجهة مباشرة مع خطر التهجير والفقدان المفاجئ للملكية.
عقوبات مالية وجنائية قاسية: ارتفعت الغرامات من متوسط 70 ألف شيكل إلى نحو 315 ألف شيكل، إضافة إلى زيادة الحد الأقصى لعقوبة السجن من سنتين إلى ثلاث سنوات. كما تشمل العقوبات جميع الأطراف المشاركة في البناء، من مالك ومستخدم إلى المهنيين والمقاولين، ما يشكل ضغطاً هائلاً على قطاع البناء العربي.
التهجير والدمار الاقتصادي: تشمل الأضرار الاقتصادية تكاليف الهدم التي قد تصل إلى 100 ألف دولار، ما دفع بعض المواطنين لهدم منازلهم بأنفسهم لتجنب الغرامات، أو مغادرة منازلهم، وهو وضع يفاقم أزمة الإسكان ويزيد من هشاشة المجتمع الفلسطيني اقتصاديًا واجتماعيًا.
الرهان السياسي لمنصور عباس
انضمام حزب راعم إلى الائتلاف الحكومي جاء كـ رهان براغماتي يهدف إلى حماية حقوق الفلسطينيين في الداخل، وأبرزها تجميد قانون كامينتس لمدة عامين. كما شمل الاتفاق تخصيص ميزانية ضخمة بقيمة 53 مليار شيكل لمعالجة القضايا المدنية الملحة في البلدات العربية، مثل مكافحة العنف والجريمة، إلى جانب أزمة الإسكان.
هذا الرهان أثار جدلاً واسعاً: بعض المواطنين رأوا فيه فرصة لإيقاف الهدم واستثمار الموارد بشكل ملموس، بينما انتقدت القائمة المشتركة الائتلاف واعتبرته "شرعنة لحكومة صهيونية يمينية" مستمرة في سياسة التمييز ضد الفلسطينيين.
التضييقات الجديدة واستمرار التمييز
على الرغم من الاتفاق على تجميد القانون، استمرت سلطات الإنفاذ في تنفيذ أوامر الهدم، مما أثار تساؤلات حول مدى الالتزام بالوعود. كما تسعى الحكومة إلى سن تشريعات جديدة تزيد من التضييق، أبرزها:
قطع الماء والكهرباء عن المباني غير المرخصة: صلاحيات تمنحها الوحدة القطرية لتنفيذ القانون، وهو ما اعتبرته الجمعيات الحقوقية "إجراء عقابي وجائر".
تسريع وتحصيل التكاليف: تعديل آلية جباية تكاليف الهدم لتكون عبر سلطة التنفيذ والجباية، مما يقلص فرص الاعتراض على المبالغ الطائلة.
تمديد فترات إصدار وتنفيذ أوامر الهدم: ما يزيد من الاستغلال الإداري على حساب الحق في الإجراءات العادلة.
الجمعيات الحقوقية، مثل عدالة، سيكوي-أفق، والمركز العربي للتخطيط البديل، شددت على أن هذه الإجراءات تستهدف المجتمع العربي بشكل مباشر، وتفاقم الأضرار الاقتصادية والاجتماعية، دون حل جذري لأزمة الإسكان.
أزمة الإسكان: نتائج سياسية واجتماعية
تظل أزمة البناء غير المرخّص انعكاساً لسياسات الإقصاء والتهميش المتعمد، والتي حرمت المجتمع العربي من توسيع المدن والقرى والحصول على تراخيص البناء القانونية. بينما تُتاح الأراضي والخطط للبلدات اليهودية بسهولة، يعاني العرب من عجز في التخطيط والمصادر، مما يضطرهم للبناء دون ترخيص لتأمين حياة كريمة.
هذه السياسات تهدد النسيج الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني، إذ يجد البعض أنفسهم مضطرين لهدم بيوتهم ذاتيًا، أو مغادرة بلداتهم، بينما تزداد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على من يبقى، ما يفاقم الفقر والهشاشة ويزيد من احتمالية اللجوء لوسائل غير قانونية لسداد الغرامات، مثل التعامل مع شبكات إجرامية.
خاتمة
يمثل قانون كامينتس نقطة التقاء بين استراتيجية إسرائيل للسيطرة على الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وبين محاولات المواطنين اليائسة للحصول على حقوقهم الأساسية. ورغم الرهان السياسي لمنصور عباس وتجميد القانون، يبقى الاختبار الحقيقي هو ما إذا كان هذا التجميد سيتحول إلى إلغاء فعلي للسياسة التمييزية، أم أنه سيظل مجرد مهلة قصيرة في مسيرة "التهجير الصامت" المستمرة منذ عقود.
الحل الجذري، بحسب خبراء ومؤسسات حقوقية، يكمن في تطوير التخطيط وتنظيم البناء للبلدات العربية، بما يضمن حق المواطنين في السكن اللائق، ويوقف سياسات التمييز والإقصاء التي وضعتهم في مواجهة دائمة مع القانون والإجراءات العقابية.
Comments