“يزن مراد لعشان 48: مجتمعنا يعيش فوق طبقات من الأزمات… والتغيير يبدأ من الدخول إلى مراكز صنع القرار”
- عشان 48

- Dec 2
- 3 min read

في مقابلة خاصّة أجرتها عشان 48 مع الناشط السياسي يزن مراد، قدّم قراءة شاملة للواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه المجتمع العربي داخل البلاد، مشيرا إلى أن ما نشهده اليوم هو “مرحلة إنهاك عميق” تتقاطع فيها التجاذبات الحزبية، الأزمات البنيوية، وانعدام المشروع السياسي الجامع، في ظل ظروف سياسية يصفها بأنها “الأصعب منذ عقود”.
تعدّد الأحزاب ليس المشكلة… غياب المشروع هو التحدّي الحقيقي
يرى مراد أنّ الوضع السياسي العام “متعب ومرهق”، وأن كل ملف يطرح للنقاش يكشف حجم الإرباك والانقسام داخل الساحة العربية، بدءًا من قضية لجنة المتابعة ووصولًا إلى الخلافات بين الأحزاب. وبرأيه، فإن مشكلة مجتمعنا ليست في تعدّد الأحزاب بحد ذاته، فـ“التعدّدية الحزبية موجودة في كل العالم، بل وتُعتبر دليل صحّة وتطوّر”، لكن التعدد في الداخل – كما يضيف – يقوم غالبًا على اعتبارات شخصية أو مصالح ضيقة، وليس على رؤية مشتركة.
ويعتبر أنّ غياب مشروع سياسي شامل يوحّد القوى العربية حول هدف واحد هو ما يُعمّق الأزمة، فالمجتمع العربي يواجه منذ عقود سلسلة طويلة من التحديات: العنف والجريمة، ضيق المسطحات، التمييز البنيوي، الفقر والبطالة، وهي قضايا لم تتغيّر رغم تمثيل الأحزاب العربية في الكنيست منذ أكثر من نصف قرن. ويعلّل ذلك بالقول: “هذه قضايا متجذّرة في سياسات الدولة، ولا يمكن تغييرها من موقع المعارضة وحده. نحتاج إلى عقل سياسي جديد يعيد ترتيب الأولويات، ويؤمّن تأثيرًا حقيقيًا على صنع القرار”.
تحديات فوق أخرى… ومجتمع يقف على حافة الانهيار الاجتماعي
وعند سؤاله عن أبرز التحديات التي يجب أن تضعها القيادة العربية في صدارة جدول أعمالها، قدّم مراد قراءة واسعة للملفات الأساسية. أول هذه الملفات هو العنف والجريمة، الذي وصفه بـ“الآفة الدخيلة” الناتجة عن غياب الدولة من جهة، وتفكّك البنية المجتمعية من جهة أخرى، إضافة إلى فقدان الثقة بالشرطة. وبرأيه، فإن استمرار التعامل مع الجريمة بقرارات احتوائية أو بيانات استنكار “لن يغيّر شيئًا”، لأن المشكلة في جوهرها سياسية، ولا تُحل إلّا بقرارات حكومية ملزمة وبأدوات تنفيذ تُفرض من داخل مراكز التأثير.
أما ملف السكن والمساحات، فيعتبره أحد أخطر التحديات على المدى البعيد. فالمجتمع العربي – كما يوضح – مجتمع شاب يعيش على رقعة صغيرة لا تكبر بل تضيق عامًا بعد عام، وتنعكس هذه الأزمة مباشرة على أسعار الأراضي، على أزمات التخطيط، وعلى اليأس الذي يعيشه الشباب الباحث عن مستقبل واضح. ويشير مراد إلى أن “من يملك القرار في الخرائط الهيكلية هو الحكومة، وليس المعارضة، وهذا ما يجعل الملف عالقًا منذ عقود”.
وفي ما يخص التربية والتعليم، يصف مراد المنظومة التعليمية بأنها “بُنيت دون أخذ احتياجات الطالب العربي بعين الاعتبار”. فالاكتظاظ، نقص البنى التحتية، التسرّب، الفجوات في التحصيل، وغياب بيئة تعليمية آمنة هي تحديات تحتاج إلى خطة سياسية شاملة، وليس برامج قصيرة تُعلن في إعلام ثم تتآكل في الوزارات.
كما يشير إلى أزمة التشغيل والاقتصاد المحلي، مؤكدًا أنّ انعدام المناطق الصناعية، ضعف دعم المبادرات، وقلة برامج الدمج في سوق العمل كلها عوامل تعمّق الإحباط بين الشباب، وتُبقي البلدات العربية في دائرة التهميش الاقتصادي.
لكن يزن مراد يرى أنّ أزمة الثقة بين المجتمع العربي ومؤسسات الدولة هي أخطر التحديات على الإطلاق، لأنها تعيق كل محاولة للإصلاح. فالناس – كما يقول – لا يثقون بالمؤسسات، وهذه المؤسسات بدورها لم تقدّم ما يكفي لإعادة بناء تلك الثقة.
لا تغيير بنيويا دون دخول دوائر الحكم
وحول العلاقة بين المجتمع العربي والمؤسسات الحكومية، يرى مراد أنها علاقة “غير متوازنة”، رغم الاعتراف الرسمي بوجود فجوات كبيرة. ويشدّد على أنّ الاعتراف وحده لا يساوي شيئًا، لأن السياسات بقيت نفسها: ميزانيات غير مستقرة، خطط تُعلن ثم تُقلّص، ومعالجات للظواهر لا للجذور.
ويضيف: “الدولة تدير الأزمة، لا تحلّها. ومن هو خارج الحكم لا يملك أدوات التغيير”. ويؤمن أن استمرار التعويل على المعارضة لإحداث تغيير عميق هو “رهان خاسر”، لأن القرارات الفعلية تُصاغ وتُتخذ داخل الحكومة حيث تُرسم السياسات وتُمرَّر الخطط.
الشباب: من الغضب إلى التأثير
وفي حديثه عن دور الشباب العربي في رسم المستقبل السياسي والاجتماعي، يؤكد مراد أن الشباب هم الفئة الأكثر تضررًا من الواقع الحالي، وهم من يواجهون مباشرة أزمة السكن، تراجع فرص العمل، ضيق المساحات، وغياب الأمن. ويشير إلى أنّ انتشار “فكرة الهجرة” بين الشباب لم يأتِ من فراغ، بل من شعور متزايد بأن البلاد أصبحت بيئة طاردة لطموحاتهم.
ويقول: “لا يمكن أن ننتظر أن تتغير الأمور من تلقاء نفسها. مستقبلنا لن يُصنع في الشارع وحده، بل على الطاولة التي تُصاغ فيها السياسات”. ويدعو الشباب إلى الانتقال من الغضب السلبي إلى التأثير الفعلي، عبر الانخراط في الأحزاب، المشاركة في اللجان المحلية، الضغط على متخذي القرار، وفرض مطالب واضحة مرتبطة بآليات تنفيذ.
ويختتم مراد حديثه برسالة مباشرة: “إذا لم ندخل ساحة التأثير اليوم، سنناقش غدًا الهجرة بدل المشاركة، والانسحاب بدل البناء. مستقبلنا مسؤوليتنا، ولن نستعيده دون دور سياسي جدي داخل مراكز صنع القرار”.
Comments