النواب العرب بين الخطاب الرمزي والتأثير الفعلي في الكنيست
- محمود النجار

- Oct 30
- 3 min read

في المشهد السياسي الإسرائيلي القائم على الديمقراطية البرلمانية، يواجه النواب العرب في الكنيست تحديًا مزدوجًا يتمثّل في تمثيل قضايا وحقوق المجتمع العربي – الفلسطيني داخل الدولة، والمشاركة الفاعلة في صياغة السياسات العامة والتشريعات الحكومية. غير أن هذه المهمة، رغم رمزيتها السياسية وأهميتها المجتمعية، تصطدم بقيود بنيوية وصلاحيات محدودة تجعل من التأثير البرلماني العربي متأرجحًا بين ما هو واقعي وما هو رمزي.
في هذا الإطار، أثار النائب سمير بن سعيد جدلا واسعًا بتصريحه الذي قال فيه إنه يشعر وكأنه يعيش «في كولومبيا بلد الإجرام» في إشارة صريحة إلى تفشي العنف والجريمة داخل المجتمع العربي في إسرائيل. هذا التصريح، رغم طابعه القاسي، يعكس حالة الإحباط والغضب الشعبي من تصاعد معدلات الجريمة، ويبرز في الوقت ذاته الدور الذي يمكن أن يؤديه النائب كصوت مجتمعي يُنبه إلى الخطر ويسلط الضوء على الظواهر المقلقة.
تصريحات كهذه ليست مجرد كلام عابر، بل يمكن أن تتحول إلى أدوات ضغط سياسي وإعلامي فعّال إذا توافرت لها ثلاثة شروط رئيسية:
1. تغطية إعلامية واسعة تضمن وصول الرسالة إلى الجمهور العام وصانعي القرار.
2. ترجمة الخطاب إلى مبادرات عملية سواء عبر مقترحات تشريعية، أو تخصيص ميزانيات، أو تشكيل لجان لمتابعة الظاهرة.
3. التكامل مع المجتمع المدني والمنظمات القاعدية التي تواصل الدفع بالمسار الإصلاحي من خارج البرلمان.
فحين يستخدم نائب مثل بن سعيد منصته لتسليط الضوء على أزمة اجتماعية، ثم تتحول تلك الرسالة إلى خطة عمل حكومية أو تعديل في بنود الميزانية لمكافحة العنف، يصبح الخطاب البرلماني أداة تغيير حقيقية لا مجرد تعبير رمزي. وتشير الأبحاث السياسية إلى أن المشاركة العربية في الكنيست يمكن أن تكون منتجة وشرعية في تحسين ظروف المجتمع العربي، إذا ما ارتبطت بعمل مؤسساتي مستمر ومبني على شراكات استراتيجية.
في المقابل، هناك حالات عديدة يتحوّل فيها الكلام النيابي إلى خطاب بلا تأثير فعلي، إما بسبب غياب المتابعة التنفيذية، أو نتيجة العزلة السياسية للأحزاب العربية عن مراكز صنع القرار، أو بسبب توظيف التصريحات لأغراض إعلامية وانتخابية دون ربطها بعمل ميداني مؤسسي.
ويمكن تحديد ثلاثة مؤشرات لغياب التأثير:
بقاء التصريحات داخل إطار الخطاب الإعلامي دون ترجمتها إلى خطوات عملية.
تهميش الأحزاب العربية واستبعادها من الائتلافات الحكومية أو مواقع النفوذ التشريعي.
غياب المرافقة المجتمعية والسياسية المستمرة بعد التصريح، ما يفقد الخطاب مصداقيته أمام الجمهور.
وتبرز هذه الإشكالية بوضوح في ظل التحديات البنيوية التي يعانيها المجتمع العربي في إسرائيل: فجوات التعليم والبنى التحتية، نقص الموارد، التمييز في الميزانيات، وتفشي العنف والجريمة المنظمة. وفي خضم هذا الواقع، يجد النواب العرب أنفسهم في معادلة صعبة بين السعي لكسب ثقة جمهورهم من جهة، ومواجهة نظام سياسي غالبًا ما يضعهم في موقع المعارضة أو المراقب من جهة أخرى.
من هنا، فإن تصريح بن سعيد عن شعوره بأنه يعيش في «بلد الإجرام» ليس مجرد توصيف حاد، بل تعبير عن أزمة عميقة تعيشها المدن والبلدات العربية. غير أن فعالية هذا الخطاب تتوقف على ما إذا كان سيتحول إلى فعل مؤسسي ملموس: هل تُرجمت هذه الصرخة إلى خطة وطنية شاملة لمكافحة الجريمة؟ هل تم تقديم مبادرات تشريعية؟ هل رُصدت ميزانيات إضافية لمعالجة الظاهرة؟ إن لم يحدث ذلك، يبقى الخطاب مجرد صدى رمزي لأزمة متجذرة.
في المحصلة، يمكن القول إن كلام النواب العرب في الكنيست يحمل قيمة كبيرة حين يكون جزءًا من استراتيجية متكاملة تشمل الإعلام، التشريع، التنفيذ، والمجتمع المدني. أما حين يُفصل عن هذه المنظومة المؤسسية، فإنه يفقد قوته ويتحول إلى مجرد تعبير رمزي.
المطلوب اليوم ليس الاكتفاء بالتصريحات، بل الانتقال من مرحلة القول إلى مرحلة الفعل، من أجل حماية المجتمع العربي داخل إسرائيل من دوامة العنف والإهمال. كما تبقى مسؤولية المتابعة والمحاسبة المجتمعية – سواء من قبل الإعلام أو مؤسسات المجتمع المدني – شرطًا أساسيًا لتحويل الخطاب النيابي إلى نتائج ملموسة.
ختامًا، يجب أن يتحول صوت النواب العرب إلى جسر يربط بين معاناة الناس ومراكز صنع القرار، لا أن يبقى صرخة في الفراغ. فالكلمة السياسية، حين تقترن بالفعل، تصبح سلاحًا للتغيير الحقيقي. أما إذا ظلت حبيسة المنابر والخطابات، فإنها تبقى مجرد أداة رمزية تُذكّر بالمشكلة دون أن تساهم في حلّها.
Comments