top of page

مدارس أم ساحات حرب؟ عندما يتحول التعليم إلى ساحة اشتباه

  • Writer: اديب الناطور
    اديب الناطور
  • Nov 12
  • 3 min read
ree

من يفترض أن يحمي مقاعدنا الدراسية يحولها اليوم إلى ساحات مواجهة. في أم الفحم قدم مشهد صادم وموجع: اقتحام مدرسة، اعتقال مديرها أمام طلابه، وترويع بيئة تربوية يفترض أن تكون ملاذا للنمو لا مسرحا للخوف. هذا الحدث ليس فقط خرقا لمبدأ الحرم التعليمي، إنما رسالة واضحة: “هنا ليس هناك من منازل محصنة”. من داخل أسوار المدرسة، أمام أعين الأطفال، انهارت كل الحدود بين الأمن والتعليم، بين الدولة والمجتمع.


لا يمر يوم على مجتمعنا العربي في الداخل إلا وتتكشف لنا طبقات جديدة من التمييز والاستهداف، كانت آخر حلقاتها اعتقال مدير مدرسة في أم الفحم من حرم مدرسته أمام أعين الطلاب والمعلمين. لم يكن المشهد اليومي في مدارسنا وأحيائنا بمعزل عن السياسات الأمنية الإسرائيلية التي تضرب بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه التعبير عن رأيٍ أو انتماءٍ مخالف، مهما كان سلمياً أو خادماً لمصلحة أبناء مجتمعنا.


منذ تولي إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي، ارتفعت وتيرة استهداف الكوادر العربية بشكلٍ غير مسبوق. لم يعد حضور الشرطة والتحقيقات يقتصر على بيوت الناشطين والمثقفين، بل اقتحم أسوار المدارس ودور العبادة، وغزا المساحات المدنية. الأرقام الرسمية التي كشفت أن 96% من ملفات “التحريض” في إسرائيل موجهة ضد العرب ليست صدفة، بل دليل على توجه عنصري ممنهج يجعل من الوجود العربي في ذاته تهمةً جاهزة.


ما نشاهده اليوم هو تحويل المربّي إلى مشتبه، والمدرسة إلى ميدان، والأسرة إلى شاهد ومحفظة لكرامة تهتز كلما دقّ جرس الفصل. أي رسالة توجهها السلطات لأطفالنا حين يعتقل مدير مدرستهم؟ وأي مواطنة تلك التي يراد لنا ممارستها وسط جوٍّ من التخويف وزرع الشك في كل مبادرة تربوية أو إنسانية؟


الرسالة التي تصل إلى أبنائنا ليست “تعلموا” بل “احذروا”. احذروا الاقتحام، احذروا التحقيق، احذروا أن تتحول كلمة “نشاط” أو “تضامن” إلى ذريعة للملاحقة. وهكذا، تتحول المدرسة من فضاء للتربية إلى ساحة مراقبة. التعليم الذي يفترض أن يبني الإنسان، أصبح مهمةً محفوفة بالمخاطر. كيف نبني جيلاً واثقا يرى معلمه مقيّداً، ومدرسته مطوقة بالدوريات؟


القضية أعمق من حادثة واحدة. إنها صورة مصغّرة لسياسة شاملة هدفها تقويض أي مشروع نهضوي عربي، وتجفيف منابع القيادة والتأثير داخل مجتمعنا. فالمدارس والجمعيات والمراكز الشبابية باتت تعامل كأنها “مصادر خطر” بدل أن تعتبر مؤسسات بناء وتنمية. بهذا، تتحول أدوات النهوض إلى ذرائع للقمع، ويختزل العمل التربوي في معادلة أمنية خالية من الروح.


إن المشكلة لا تكمن فقط في اقتحام مدرسة أو اعتقال مدير، بل في صناعة واقع يومي يجعل من العيش بكرامة مطلبا صعب المنال. في ظل تهميش متراكم، وغياب العدالة في توزيع الموارد، وازدواجية في تطبيق القانون، يراد للمجتمع العربي أن يبقى في حالة دفاع دائم، منشغلا برد الفعل بدل بناء المستقبل. الدولة التي تدعي “المساواة أمام القانون” هي ذاتها التي تسمح بإفلات دعاة الكراهية اليهود من العقاب بينما تُلاحق المعلّمين والطلاب العرب على منشورات أو مبادرات ثقافية.


ومع ذلك، لا نزال نكافح. أولياء الأمور يصدرون البيانات، المعلمون يتناقلون الخبر، والناس في الشارع يدركون أن ما جرى في أم الفحم ليس حادثاً فرديا بل اعتداءً على فكرة التعليم نفسها. لكن يبقى السؤال: هل يكفي أن نعترض بعد كل واقعة؟ أم أننا بحاجة إلى استراتيجية جماعية تحصّن مدارسنا وتدافع عن حقنا في التعليم الحرّ والمستقل؟


المطلوب اليوم ليس فقط التنديد، بل بناء منظومة حماية حقيقية: مدارس تُدار بشفافية، مجالس تربوية قوية، وجهاز قانوني يضمن حرمة المؤسسات التعليمية. المطلوب أن نواجه سياسة التحريض بالوعي، وأن نرد على الخوف بالتنظيم، وعلى القمع بالموقف الواضح. فمدارسنا ليست ساحات حرب، بل منصات للأمل والكرامة.


في النهاية، التعليم ليس رفاهية بل هو حق ومستقبل. وعندما يهدد هذا الحق، يهدد معه وجودنا ذاته. إن اعتقال مدير مدرسة اليوم ليس حادثا عابرا بل مرآة تعكس واقعا أوسع من القمع والتمييز، وجرس إنذار لمجتمع كامل. نحن أمام لحظة اختبار: إما أن نسكت فنسحق بصمت، أو أن نرفع صوتنا دفاعا عن المدرسة، عن المعلم، عن الحلم بأن يعيش أولادنا في بيئة تعليمية آمنة حرة. هذه ليست معركة مهنية، بل معركة وعي وكرامة وحق في الحياة.

Comments


من 48 - عشان 48

  • X
  • Facebook
  • Instagram
bottom of page