يافا: اعتداء عنصري ليس حادثا عابرا
- سامر عثامنة

- 4 days ago
- 2 min read

شهدت مدينة يافا بالأمس حادثة اعتداء عنصري خطيرة، حين أقدم مستوطنون على مهاجمة امرأة حامل وزوجها، والاعتداء عليهما جسديًا ورشّهما بغاز الفلفل. لم يكن هذا الاعتداء موجّها لأشخاص بعينهم بقدر ما كان استهدافًا للهوية، في مشهد يعكس تصاعدًا مقلقًا للعنف العنصري ضد المواطنين الفلسطينيين في المدن المختلطة، وعلى رأسها يافا والقدس وغيرها من الأماكن. بالرغم من رصد الكاميرات لوجوه المعتدين، إلا أن الشرطة حتى هذه اللحظة لم تقم بإعتقالهم.
هذه الحادثة لا يمكن فصلها عن السياق العام الذي تشهده الساحة في الآونة الأخيرة، حيث تتسع رقعة الاعتداءات العنصرية اليومية لتشمل الشارع، أماكن العمل، ووسائل المواصلات العامة. فقد بات سائقي الحافلات العرب هدفا متكررا لاعتداءات جسدية ولفظية، تتراوح بين الشتم والبصق والتهديد، وصولًا إلى الضرب والإعتداء الجسدي في الكثير من الحالات، فقط لأنهم عربا. ما كان يُعدّ في السابق سلوكًا شاذًا، أصبح اليوم ظاهرة شبه اعتيادية، تنذر بخطر حقيقي آخذ بالإزدياد يهدد المواطنين العرب.
تشخيص هذه الظاهرة يكشف أنها ليست مجرد انفلات فردي أو تصرفات معزولة، بل نتاج منظومة أوسع من العنصرية الممنهجة. خطاب التحريض والكراهية، سواء في السياسة أو الإعلام أو الفضاء العام، خلق بيئة وخلفية تشرعن العنف وتطبعه، وتحوّل الضحايا المواطنين العرب إلى “آخر” بلا كرامة أو حقوق. يضاف إلى ذلك غياب الردع الحقيقي، حيث تمر معظم هذه الاعتداءات دون محاسبة جدية، ما يعزز شعور المستوطنين بالأمان والإفلات من العقاب، ويدفعهم إلى التمادي والإستمرار بعنصريتهم وإعتداءاتهم.
يكشف الواقع عن خلل عميق في منظومة الحماية المدنية، خاصة في المدن المختلطة، حيث يترك المواطنين العرب مكشوفين، بلا آليات فعالة للحماية أو الدعم. وحين يفقد الإنسان شعوره بالأمان في الشارع أو في مكان عمله، يصبح العنف العنصري واقعًا يوميا لا استثناءً.
أمام هذا الواقع، لا بد من حلول واضحة وحاسمة. أولها تطبيق القانون بشكل متساوٍ ودون تمييز، عبر فتح تحقيقات فورية ومستقلة في كل اعتداء، وتقديم الجناة إلى المحاكمة بعقوبات رادعة. كما يجب توفير حماية حقيقية للعاملين في المواصلات العامة، من خلال إجراءات أمنية مدروسة، وأنظمة استجابة سريعة واضحة للتعامل مع الاعتداءات.
إلى جانب ذلك، تبرز ضرورة مواجهة خطاب الكراهية والكراهية والتحريض، ومحاسبة كل من يروج له أو يستثمر فيه سياسيًا وإعلاميا، وسنّ تشريعات تجرم التحريض العنصري بشكل صريح.
إن الاعتداء في يافا، سواء طال امرأة حامل وزوجها أو سائق حافلة في طريق رزقه، ليس حادثًا عابرا يمكن تجاوزه بالصمت. إنه مؤشر خطير على مسار آخذ في التوسع، لا يمكن وقفه إلا بإرادة سياسية حقيقية، ومحاسبة عادلة، وعمل مجتمعي منظم يعيد الاعتبار لقيم المساواة والكرامة، ويؤكد أن الفضاء العام يجب أن يكون آمنًا للجميع دون استثناء.
Comments