top of page

العليا تصادق على تهجير رأس جرابة: فصل جديد في سياسة اقتلاع عرب النقب

  • Writer: ابراهيم العزازمة
    ابراهيم العزازمة
  • Nov 13
  • 3 min read
ree

شكل قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الأخير، الصادر بتاريخ 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، والقاضي برفض استئناف أهالي قرية راس جرابة في النقب وتصديق قرار تهجير نحو 500 مواطن بدوي فلسطيني، حلقة جديدة ومؤلمة في مسلسل سياسات الاقتلاع الممنهجة التي تتبعها المؤسسة الإسرائيلية ضد أهلنا في النقب. هذا القرار ليس مجرد خلاف قانوني على ملكية أرض، بل هو إعلان صريح بأن القانون في إسرائيل يمكن أن يكون أداة في يد المشروع الاستعماري والتهويدي، حتى عندما يتناقض مع أبسط مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.


المفارقة المرة التي تكشف زيف الخطاب الرسمي الإسرائيلي تكمن في أن هذا القرار الجائر يأتي رغم إلغاء محكمة الشؤون الإدارية في بئر السبع سابقا لمخطط توسيع ديمونا الذي يهدد القرية، وذلك لـ"خلل جوهري" يكمن في غياب دراسة الأثر البيئي وتجاهل إمكانية دمج السكان. كان ذلك الإلغاء بصيص أمل للأهالي، لكن المحكمة العليا أطفأته بقرارها الأخير، الذي منح شرعية قانونية لعملية تهجير لا تستند إلى مخطط نافذ. الأهالي ومنظمات حقوقية، وعلى رأسها مركز "عدالة"، اعتبروا القرار "ترسيخا لسياسات الفصل العنصري" في النقب، إذ كيف يمكن لقانون أن يسمح بإخلاء جماعي دون الحاجة إلى تبرير، متجاهلاً وجود السكان على أرضهم لعقود طويلة وبعلم السلطات؟


إن مأساة رأس جرابة ليست حدثا معزولا، بل صورة مكثفة لتاريخ الصراع على الأرض والهوية في النقب. فالقرية التي تتبع تاريخيًا لقبيلة الهواشلة، ويقطنها سكان من عائلات الهواشلة وأبو صلب والنصاصرة، ليست "تجمعا غير قانوني" كما تدعي سلطة أراضي إسرائيل، بل مجتمعا أصيلا يعيش في أرضه المعروفة منذ القدم باسم "الشعيرية" أو "مركبة الهواشلة". شهادات كبار السن، مثل الحاج فريج الهواشلة، تؤكد أن ديمونا نفسها أُقيمت على أراضيهم، وأن العلاقة مع المستوطنين الأوائل كانت في بدايتها علاقة تبادل حاجات إنسانية، قبل أن تتحول إلى مشروع استيطاني ألغى الوجود العربي في المكان.


ما يزيد فداحة القرار هو المنطق القضائي الملتوي الذي اعتمدته المحكمة العليا. فبالرغم من اعتراف القضاة بأن السكان يعيشون في أراضيهم منذ عقود، إلا أنهم أكدوا أن بإمكان الدولة "سحب هذا الترخيص الضمني في أي وقت"، وأن لها "الحق المستقل في ممارسة ملكيتها على الأرض، بما في ذلك الإخلاء، دون حاجة لتبرير". هذا المنطق لا يمثل فشلا قضائيا فحسب، بل تحولا للمحكمة العليا إلى أداة بيد النظام الاستعماري تمنح الغطاء القضائي لسياسات الهدم والاقتلاع. كما أن رفض المحكمة لادعاءات الفصل العنصري، وادعاؤها أن سكان رأس جرابة يمكنهم "التقدم لمناقصات لشراء أراضٍ في ديمونا"، يعكس تجاهلا متعمدا للواقع الاجتماعي والاقتصادي القائم على التمييز في النقب.


نحن، كعرب 48، لا نقرأ قضية رأس جرابة بمعزل عن السياق الأوسع. فهي امتداد للسياسات ذاتها التي تهدد قرى وتجمعات بدوية أخرى، سواء داخل الخط الأخضر (مثل أم الحيران والبقيعة) أو في المناطق الفلسطينية المحتلة (مثل الخان الأحمر ومسافر يطا). القرار الأخير يجسد منطق التخطيط الاستيطاني القائم على إقصاء العرب البدو واعتبار وجودهم "عقبة" أمام التوسع اليهودي، وهو منطق يرفض الحلول التخطيطية العادلة التي قدمها السكان ومركز "عدالة"، ويصر على التهجير القسري إلى بلدات بدوية غير مرغوبة، مثل "قصر السر"، في تكرار لسياسة نقل السكان قسرًا من أرض إلى أخرى دون اعتراف بوجودهم أو حقوقهم.


إن قرار العليا ليس سوى ترجمة عملية لقانون القومية على أرض الواقع، إذ يمنح الغطاء القانوني لاستمرار سياسات التهجير القسري ضد السكان الأصليين في النقب، في انتهاك صارخ لحقوقهم ووجودهم التاريخي. ومع ذلك، فإن صمود أهالي رأس جرابة وتمسكهم بأرضهم رغم كل محاولات الاقتلاع يبقى الرد الأقوى على هذه السياسات. فمعركتهم ليست فقط من أجل بيت أو أرض، بل من أجل الحق في الوجود والكرامة في وطن يحاول البعض محوهم منه، وسيبقى صوتهم شاهدا على أن النقب ليس فراغا، بل أرض حية تنبض بالانتماء والمقاومة.

Comments


من 48 - عشان 48

  • X
  • Facebook
  • Instagram
bottom of page