اللغة كأداة إقصاء: قراءة في خطاب نفتالي بينيت عن عرب النقب
- آدم محمد عكاوي

- Nov 5
- 2 min read

في كل مرة يتحدث فيها سياسي إسرائيلي عن عرب النقب، يبدو وكأنه يختار كلماته بعناية تخدم غاية أعمق من مجرد توصيف الواقع؛ غاية ترسم صورة ذهنية سلبية تبرر السياسات الرسمية ضد هذا المجتمع. تصريحات نفتالي بينِت الأخيرة عن العرب في النقب ليست استثناءً من ذلك، بل تمثل نموذجًا واضحًا لاستخدام اللغة كأداة سياسية وإعلامية لتشكيل الرأي العام وتعزيز الهيمنة.
عند تفكيك الخطاب الإعلامي لبينيت، يلاحظ أن اللغة التي يستخدمها لا تنفصل عن قاموس الأمن والسيطرة. فهو يتحدث عن "استعادة النظام"، و"فرض القانون"، و"حماية أراضي الدولة"، وهي تعبيرات تظهر العرب في النقب وكأنهم خطر أمني أو جماعات خارجة عن القانون. هذه المفردات ليست محايدة، بل تُعيد إنتاج صورة “العربي المتمرد” الذي ينبغي ضبطه، لا المواطن الذي يطالب بحقه في الأرض والمسكن.
اللافت أن وسائل الإعلام العبرية تتبنى هذه المفردات وتعيد تكرارها دون مساءلة، فتغيب عن تغطياتها الإشارة إلى الجذور الحقيقية للأزمة، كسياسة الدولة تجاه القرى غير المعترف بها، أو حرمان السكان من البنى التحتية والخدمات. وهكذا يتحول النقاش من “حقوق مدنية” إلى “أمن داخلي”، ومن “عدالة اجتماعية” إلى “حفظ النظام”، مما يُبرر ميدانيًا عمليات الهدم والملاحقة.
أما في الإعلام العربي داخل إسرائيل، فتأخذ اللغة منحى مختلفا تماما. إذ يجري تفكيك الخطاب الرسمي وفضح تناقضاته، ويبرز الجانب الإنساني والاجتماعي للقضية. لكن هذه الرواية العربية غالبا ما تحاصر في فضاءات محدودة التأثير، بينما تحتكر وسائل الإعلام العبرية السائدة مساحة تشكيل الوعي العام الإسرائيلي، ما يُضعف التوازن في السردية.
من منظور تحليل الخطاب، يمكن القول إن بينيت – مثل غيره من الساسة الإسرائيليين – يوظف اللغة لتثبيت معادلة رمزية: العرب = فوضى، الدولة = نظام. بهذه الثنائية، يجري نزع الشرعية عن مطالب العرب في النقب وتحويلها إلى “تحدٍ للسيادة”، وهو ما يسهل تمرير السياسات العنصرية تحت غطاء “تطبيق القانون”. وتكمن خطورة هذا الخطاب في أنه لا يُعبّر فقط عن رأي سياسي، بل يُعيد إنتاج بنية فكرية ترى في الأقلية العربية تهديدًا وجوديًا، لا مكوّنًا أصيلاً من الدولة.
إن مواجهة مثل هذا الخطاب لا تتم فقط بالرد السياسي أو القانوني، بل أيضًا عبر بناء خطاب إعلامي بديل يواجه التوصيفات المضللة بلغة مهنية وإنسانية. الإعلام العربي بحاجة إلى مشروع سردي جديد يعيد تعريف النقب لا كمشكلة أمنية، بل كقضية مواطنة وعدالة اجتماعية.
بهذا المعنى، يمكن القول إن تصريحات نفتالي بينِت ليست مجرد زلة لسان أو رأيًا عابرًا، بل مرآة تعكس البنية الأعمق للعلاقة بين الدولة والإعلام والمجتمع العربي. واللغة، كما نرى، ليست فقط وسيلة تواصل، بل سلاح ناعم يُعيد رسم حدود الانتماء والاغتراب في دولة ما زالت ترى في مواطنيها العرب “آخرين” حتى داخل وطنهم.
Comments